قراءة قانونية لمعاهدة الرياض لقانون التصاميم
أقرّت الدول الأعضاء في المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO) اليوم المعاهدة الثامنة والعشرون والتي سميت تيمناً بعاصمة المملكة العربية السعودية الرياض تثميناً للدور الهام الذي تقوم به المملكة في دعم وتمكين قطاع الملكية الفكرية. تهدف معاهدة الرياض لقانون التصاميم إلى تبسيط وتسريع وتخفيض تكلفة حماية الإنتاج الفكري للمصممين، سواء على الصعيد المحلي أو الدولي. تمثل هذه المعاهدة خطوة هامة نحو تمكين المصممين من الأفراد والمنشآت الاقتصادية من خلال تعزيز التعاون الدولي في هذا المجال؛ حيث تتيح لهم الحصول على حماية قانونية فعّالة بتكلفة معقولة وسرعة تنفيذ أعلى، مما يعزز من قدراتهم الإبداعية ويحفز النمو في هذا القطاع الحيوي.
معاهدة الرياض : نقلة نوعية في مجال التصاميم :
درجت التشريعات الدولية على حماية المبتكرين والمبدعين من خلال معاهدات دولية متعددة ولا شك أن اتفاقية باريس هي المرتكز التشريعي الأساسي لجميع تشريعات الملكية الفكرية ويلي ذلك اتفاقية برن واتفاقيات التجارة العالمية ذات العلاقة. ثم تأتي اتفاقية التصنيف الدولي الموحد مثل تصنيف نيس للعلامات التجارية، وتصنيف لوكارنو للتصاميم الصناعية. ثم تأتي معالجة الجوانب الإجرائية من خلال برتوكاولات الإيداع الدولي الموحد مثل اتفاقية لاهاي، والاتفاقية الإجرائية الموحدة مثل اتفاقية قانون البراءات لتوحيد إجراءات تسجيل براءات الاختراع. ومن هنا جاءت اتفاقية الرياض لقانون التصاميم لتكمل الهيكل التشريعي في مجال التصاميم كأحد فروع الملكية الفكرية، بعد عمل دؤوب استمر لمدة عشرون عاماً.
أهداف اتفاقية الرياض :
تعتبر معاهدة الرياض لقانون التصاميم بمثابة نور جديد يضيء طريق المصممين، خاصةً أولئك الذين يخوضون غمار الإبداع في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة. في عالم تتباين فيه قوانين حماية التصميمات من دولة لأخرى، تأتي هذه المعاهدة لتبسط الأمور وتوحد الإجراءات، فتجعل من الصعب تحقيق الحماية على مستوى عالمي، أمراً بسيطاً وواضحاً. في بعض الدول، يُطلق على هذه العملية “التصاميم المسجلة”، حيث يمر طلب التسجيل بفحص دقيق من مكتب الملكية الفكرية، فيما تتبع دول أخرى نظام “براءة التصاميم” تحت مظلة قوانين براءات الاختراع. هذا التباين بين الأنظمة يمكن أن يكون محيراً للمصممين، ولكنه يشكل أيضاً جزءاً من الإرث القانوني والثقافي لكل دولة. المعاهدة الجديدة تهدف إلى إزالة هذه الحواجز وتسهيل الطريق أمام المصممين للتنقل بين هذه الأنظمة بمرونة وسلاسة.
إجراءات موحدة وخيارات متعددة :
تبنت معاهدة الرياض للتصاميم مبادئ الحوكمة الأساسية من خلال الشفافية الإجراءات الواضحة من الأسس التي ترتكز عليها حماية حقوق المصممين. يأتي تحديد حد أقصى بالشروط والمرفقات التي يجب على المصممين تقديمها مع الطلب كخطوة رائدة نحو إنشاء إطار يمكن التنبؤ به لإجراءات حماية التصاميم. وبناء على ذلك سيتمكن المصممون من تحضير طلباتهم بطريقة منظمة وفعالة، على نحو يزيل عنهم القلق من إمكانية رفض الطلبات بسبب نقص المعلومات أو عدم وضوحها.
ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل يمتد ليشمل حرية المصممين في اختيار كيفية تمثيل تصميماتهم عند التقديم. سواء اختاروا استخدام الرسومات التقليدية، الصور الفوتوغرافية، أو حتى مقاطع الفيديو، فإن هذه الخيارات المتعددة تعكس روح الابتكار والتنوع في عالم التصميم. يعطي هذا التنوع المصممين القدرة على إبراز إبداعاتهم بأكثر الطرق التي تعبر عن جوهر تصاميمهم، مما يزيد من فرصهم في الحصول على حماية فعالة وشاملة لأعمالهم.
وفي ظل ظروف معينة، يمكن للمصممين إدراج عدة تصاميم في طلب واحد، مما يشكل نقلة نوعية في تبسيط الإجراءات وتوفير الوقت والجهد. هذه الخطوة تعزز من كفاءة العملية الإدارية وتجعلها أكثر مرونة، مما يتيح للمصممين التركيز على ما يجيدون فعله: الابتكار والإبداع. بتوحيد هذه الإجراءات وتقديم مثل هذه التسهيلات، يتم خلق بيئة داعمة ومحفزة للمصممين، تدفعهم نحو تقديم أفضل ما لديهم وإثراء عالم التصميم بإبداعات جديدة ومبتكرة.
المرونة في الإفصاح وفترات زمنية قابلة للتمديد:
وحرصاً على تعزيز مرونة الإجراءات، تنص المعاهدة على فترة إمهال مدتها 12 شهراً بعد الكشف الأول عن التصميم، بحيث لا يؤثر هذا الكشف على صلاحية التسجيل. هذه الفترة تمنح المصممين مساحة من الوقت لتقديم طلبات التسجيل دون القلق من فقدان حقوقهم بسبب الكشف المبكر عن تصميماتهم. إنها فترة حماية تُشجع المصممين على الابتكار والإبداع دون قيود، مما يعزز من إنتاجيتهم ويحفزهم على تطوير تصاميم جديدة.
بالإضافة إلى ذلك، يُسمح لمودعي الطلبات بالاحتفاظ بتصاميمهم غير منشورة لمدة ستة أشهر على الأقل بعد تأمين تاريخ الإيداع. هذه المرونة تتيح لهم الوقت الكافي لتحضير تصاميمهم وتحسينها قبل الكشف عنها للجمهور. كما أن تقديم تدابير وقف الإجراءات وتوفير بعض المرونة يساعد المودعين على تجنب فقدان حقوقهم في حال عدم الامتثال بمهلة زمنية نهائية. بدون هذه التدابير، يمكن أن يؤدي عدم الامتثال بالمهل الزمنية إلى فقدان الحقوق، وهو ما لا يمكن تعويضه في حالة التصميمات. بهذه الإجراءات، يتم حماية إبداعات المصممين وتمكينهم من التركيز على جوهر عملهم دون القلق من فقدان حقوقهم القانونية.
حماية التراث الوطني :
تشكل معاهدة الرياض لقانون التصاميم جسراً نابضاً بالحياة يربط بين الماضي والحاضر، حيث تدمج صراحة بين حماية التصاميم الحديثة وحماية المعارف التقليدية وأشكال التعبير الثقافي التقليدي. إنها ليست مجرد وثيقة قانونية، بل هي رؤية شاملة تحتضن التراث الغني للمجتمعات وتدمجه في نسيج الابتكار المعاصر. من خلال هذا الربط، يتم الاعتراف بأن الإبداع ليس وليد اللحظة فقط، بل هو نتاج تفاعل ثقافات ومعارف متوارثة عبر الأجيال.
يتحقق هذا الربط الحيوي من خلال حكم يُمكّن الأطراف المتعاقدة من طلب معلومات عن أشكال التعبير الثقافي التقليدي والمعارف التقليدية ذات الصلة كجزء من أهلية تسجيل التصميم الصناعي. هذا الإجراء ليس مجرد متطلب قانوني، بل هو احتفاء بالموروثات الثقافية وحماية لها من الانقراض. يعزز ذلك من احترام وتقدير الأصول الثقافية التي تشكل أساس العديد من التصاميم العصرية، مما يضمن أن تظل هذه الأصول جزءًا حيويًا ومتكاملاً من عالم الإبداع الحديث. بهذه الطريقة، تنبثق معاهدة الرياض كمثال حي على كيفية تمازج الإبداع مع التراث، ليخلق مستقبلًا يتميز بالأصالة والابتكار في آن واحد.
المساعدات التقنية وتكوين الكفاءات :
أكدت معاهدة الرياض لقانون التصاميم على أهمية المساعدة التقنية وتكوين الكفاءات لما لها من دور حيوي في تنفيذ المعاهدة بشكل فعال، حيث تستند هذه المساعدة إلى مبادئ أساسية تركز على التنمية، وتكون قائمة على الطلب، وشفافة، وتهدف إلى تعزيز قدرات البلدان المستفيدة. يجب أن تراعي المساعدة التقنية الأولويات والاحتياجات المحددة لهذه البلدان، وذلك لتمكين المستخدمين من الاستفادة الكاملة من أحكام المعاهدة.
تتضمن المساعدة التقنية وأنشطة تكوين الكفاءات المقدمة بموجب هذه المعاهدة مجموعة متنوعة من الخدمات، تشمل إنشاء الأطر القانونية اللازمة ومراجعة الممارسات والإجراءات الإدارية للهيئات المعنية بتسجيل التصاميم. بالإضافة إلى ذلك، تركز على استحداث القدرات اللازمة للمكاتب المعنية، من خلال توفير تدريب للموارد البشرية، والدعم التكنولوجي، وإذكاء الوعي. المنظمة مطالبة، وفقاً لنظامها المالي، بتقديم التمويل اللازم لهذه المساعدة، وكذلك تشجيع إبرام اتفاقات مع المنظمات الدولية الممولة والمنظمات الحكومية الدولية وحكومات البلدان المستفيدة لتوفير الدعم المالي المطلوب، مما يضمن تنفيذ المعاهدة بفعالية وعلى نطاق واسع.
مشاركة المحامي خلف بندر بصفته المستشار القانوني للمراقب IPPA :
في خطوةٍ تعكس الخبرة العميقة والاحترافية، شارك المحامي خلف بندر بصفته المستشار القانوني للمراقب IPPA، مقدماً رؤى قانونية واستراتيجيات مبتكرة في مجال حماية الملكية الفكرية. المستشار خلف بندر، الذي يحمل في جعبته سنوات من الخبرة العملية والعلمية، لعب دوراً حيوياً في تقديم الدعم الاستشاري لجمعية حماية الملكية الفكرية باعتبارها مراقبا لدى المنظمة العالمية للملكية الفكرية من خلال أفضل الممارسات العالمية وضمان التزامه بأعلى المعايير القانونية. بفضل رؤيته الثاقبة وقدرته على تحليل القضايا بعمق ساهم في صياغة السياسات وتطوير الإجراءات التي تضمن حقوق المبدعين والمبتكرين، بفضل رؤيته الاستراتيجية، شارك المحامي خلف بندر في وضع أسس راسخة لحماية الإبداع والابتكار، مؤكداً على أهمية الحوكمة في مجال تقديم المساعدات التقنية وتعزيز دور القطاع غير الربحي في هذا الشأن.