دعونا نتوصل إلى تفاهم
لنصل إلى تفاهم. إنه ليس أكثر من جملة يرددها الأفراد في حالة حدوث خلاف بين شخصين حول أمر معين. وهو في كثير من الأحيان دعوة للتفاوض بطريقة أو بأخرى، ومن هذا المفهوم البسيط تتشكل العقود حتى تكتمل في صورتها النهائية.
وبما أن العقود أيها السادة تبدأ بمرحلة التفاوض حيث يصدر الإيجاب ويرد مع القبول المشروط بحيث يكون الأخير بمثابة إيجاب جديد. ويستمر الحال على هذا المنوال إلى أن تتجه إرادة الطرفين إلى عوامل مشتركة بالتراضي والاتفاق. ثم تبدأ مرحلة صياغة العقد حيث يتم تجسيد رغبات الطرفين بشكل لا يخالف النظام العام. وإذا تم ذلك دخل العقد حيز النفاذ.
بناءً على هذه العملية، تفضل معظم الشركات الكبرى دائمًا إبرام مذكرات التفاهم قبل البدء في أي صفقة. ما هي مذكرة التفاهم وطبيعتها القانونية؟
مذكرة التفاهم هي اتفاق الطرفين على تحديد الأطر العامة لمرحلة التفاوض، بما في ذلك الالتزام بسرية المفاوضات، وتحديد قنوات الاتصال بين الطرفين، ونوع البيانات التي سيتم تبادلها، والالتزام بحسن النية، حتى تتمكن المفاوضات من البدء خالية من كل العوائق.
الواقع العملي حافل بالتطبيقات على المستويين الوطني والدولي، ولعل أقرب مثال يتبادر إلى الذهن هو مذكرة التفاهم بين شركة الاتصالات السعودية ومؤسسة مسك الخيرية، وما يصعب على الباحثين هو عدم نشر بنود هذه التفاهمات، خاصة وأنها تمس حقوق المساهمين وتتعارض مع مبادئ الإفصاح والشفافية التي تقوم عليها، كما أنها تشكل انتهاكاً واضحاً لعملية التداول في السوق المالية.
وتتميز مذكرة التفاهم من حيث آثارها القانونية بأنها لا تلزم أياً من الطرفين بإبرام أي عقد مستقبلي، ولكنها تضمن حسن سير عملية التفاوض، من حيث الإفصاح والحصرية والسرية وحسن النية، وهذا لا يخرج عن مبادئ الشريعة الإسلامية التي حرمت بيع النجش والإضرار بالآخرين والغش في العقود.
وفي مناقشتنا، نحتاج إلى التطرق إلى العناصر التي تميز مذكرة التفاهم عن غيرها من المعاملات المماثلة، والتي نعني بها الوعد بالتعاقد والعقد الأولي على النحو التالي:
– الوعد بالتعاقد هو إرادة الطرفين بالتفرغ لإبرام عقد مستقبلي، ويستخدم عادة في المشاريع الاقتصادية التي تتطلب مراحل تمهيدية قبل إتمامها. وقد استقر القضاء السعودي في كثير من أحكامه التجارية على أن الوعد بالتعاقد لا يكون ملزماً للطرفين كمبدأ عام، وبذلك يختلف الوعد بالتعاقد عن مفهوم أن الأخير ملزم للطرفين.
– العقد الابتدائي، ويعني أن يتفق الطرفان على أمور جوهرية كالثمن والمثمن، وتأجيل الأمور الثانوية إلى العقد النهائي، وغايته رغبة الطرفين في إبرام العقد، إلا أن أحد الطرفين لا يملك المبلغ المطلوب، أو التراخيص اللازمة، أو يرغب في التأكد من مدى توافق المثمن مع النظام، أو عدم وجود سبب عام، وغير ذلك من الأسباب، والحقيقة أنني لم أتوصل إلى الأساس أو الضابط القضائي لإلزام العقد الابتدائي في المحاكم السعودية.
الفرق الجوهري واضح في أن العقد الأولي تم قبوله بالعرض وتم التواصل معه في مجلس العقود ولكن تم تأجيل إتمام العقد لمدة محددة بينما مذكرة التفاهم كما ذكرنا آنفاً ليست أكثر من مقدمة للمفاوضات أي قبل أن يقترن العرض بالقبول.
وبهذا نترككم أيها الأعزاء على أمل اللقاء بكم لمناقشة مدى ملاءمة مذكرات التفاهم للأفراد في التعاملات المالية الخاصة، وإلى ذلك الحين يسعدني تلقي آرائكم عبر التعليقات والبريد الإلكتروني:معلومات@kfirm.co