قبل العشرين

وبعد أن تحول وباء كوفيد-19 إلى جائحة عالمية، فقد فرض ذلك التزاماً أخلاقياً على رجال القانون والحقوقيين؛ إذ يتطلب إجراء بحث علمي سليم حول مصير المعاملات المدنية والتجارية على المستويين الدولي والوطني.

ولذلك فإنهم باحثون في التعامل مع هذا الموضوع وتحديد مصيره بجدية مستخدمين نظريات الظروف الطارئة والقوة القاهرة، وقد غاب عن كثير من المتحدثين في هذا القسم التمييز بين الجائحة العالمية نفسها (كوفيد-19) وبين الإجراءات الاحترازية والوقائية التي اتخذتها مختلف الدول من أجل مواجهتها من جهة، ومن جهة أخرى واقع المرحلة الاقتصادية الراهنة: مما أدى إلى عدم مراعاة الفروق الناتجة عن اختلاف البيئة التشريعية والمناخ السياسي من دولة إلى أخرى.

ومن هذا المنطلق قررنا أن نعبر عن وجهة نظرنا ونشارك في العرض من منظور مختلف، أساسه البحث في أعقد الأمور، ومنهجه الوصف والتحليل، مستنيراً بقواعد العدل وروح القانون التي سبق أن صاغها وشرحها أساتذتنا الأفاضل.

ولكي نتمكن من تقدير مصير الالتزامات التعاقدية في ظل هذه الأزمة، كان علينا أن نرصد أهم التطورات الاقتصادية والسياسية خلال الفترة (2008-2019)، والتي تشكل بدورها البيئة الاقتصادية والمناخ السياسي الذي يسبق جائحة القرن الجديد، فنقول والله المستعان:

وبعد تعافي الاقتصاد العالمي، وصلت معدلات النمو إلى ذروتها، حيث بلغت نحو 4% في عام 2017 وبداية عام 2018. ثم بدأت معدلات النمو العالمية في التراجع شيئا فشيئا حتى وصلت في عام 2019 إلى نحو 2.9%، وهو أدنى مستوى لها منذ الأزمة العالمية. وفي بداية عام 2020، كانت توقعات صندوق النقد الدولي إيجابية، حيث أشارت إلى ارتفاع معدلات النمو، لتعود إلى مستويات 3.3% في نهاية العام.[1]

لكن وباء كورونا اجتاح العالم، مما هز ثقة المستثمرين ودفعهم إلى تسييل أصولهم، وتزامن ذلك مع عدم التوصل إلى اتفاق على خفض إنتاج النفط بين أوبك+1، إضافة إلى اهتزاز الطلب الذي أحدثته جائحة كوفيد-19، وهو ما يدفعنا إلى القول إن هذه الجائحة كانت محفزاً غير متوقع لعملية ركود اقتصادي سبقت وجودها، وبالتالي كانت البيئة الاقتصادية أثناء ظهور كورونا المستجد تستعد للتعافي من تصحيح كان قد مر به، إلا أن هذا الفيروس كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير بإحداث خلل في الطلب، ورافق ذلك وفرة في العرض، خاصة فيما يتعلق بالنفط، وهذا ما جعله حدثاً اقتصادياً غير مسبوق، وهذا يكفي لتجاوز القياس وبدء الاجتهاد لمواجهة التحديات الناجمة عن هذه الأزمة.

أما على الصعيد السياسي، فقد شهد العالم العديد من الأحداث السياسية خلال السنوات العشر الماضية، كان أبرزها سلسلة التقلبات الرئاسية في الشرق الأوسط، أما على الصعيد الأوروبي، فقد أعلنت اليونان إفلاسها، كما شهدت القارة الأوروبية أزمة لاجئين مهاجرين من الشرق الأوسط، وخاضت المملكة المتحدة أيضاً صراعات داخلية، وما زال أمامها وقت طويل للخروج من الاتحاد الأوروبي.
أما في القارة الآسيوية، فقد فُرض حصار اقتصادي على الجمهورية الإيرانية بعد امتلاكها للمفاعل النووي، كما خاضت الصين وروسيا حرباً اقتصادية ضد الولايات المتحدة، فضلاً عن التزام العديد من الدول ببرامج التحول العالمي التي اقترحها صندوق النقد الدولي.

ونستنتج أن المناخ السياسي كان يعيش حالة من التوتر أدت في بعض الأحيان إلى قطع العلاقات الدبلوماسية بين الدول [2]، بل تطور الوضع إلى اندلاع حرب استثنائية مع تحالف دولي بقيادة المملكة العربية السعودية في اليمن.

وقد أثبت هذا المناخ من وجهة نظرنا أن الأمم المتحدة فشلت في تحقيق أحد بنود ديباجة اتفاقية الأمم المتحدة وهو “الحفاظ على السلم والأمن الدوليين”[3]. فبعد ظهور جائحة كوفيد-19، فشلت منظمة الصحة العالمية، باعتبارها الجهة المسؤولة عن الحفاظ على الأمن الصحي في العالم تحت مظلة الأمم المتحدة، في تحقيق هدفها.[4] وإذا ثبت أن هذه الجائحة ليست سوى سلاح بيولوجي جديد، فإن الدول ستقف مكتئبة ومكتوفة الأيدي بسبب عدم وجود أدلة مادية وغياب نص تجريم. وهذا ما يجعلنا نعتقد أن القانون الدولي العام لن يكون كما هو عليه بعد انكشاف هذه السحابة باعتبارها الكارثة الثالثة التي شهدتها الدول بعد الحربين العالميتين الأولى والثانية. لذلك، نعتقد أنه يجب أخذ هذا التحول المحتمل بعين الاعتبار أثناء دراسة المصير القانوني للالتزامات التعاقدية.


[1] آفاق الاقتصاد العالمي، صندوق النقد الدولي: تباطؤ النمو وانتعاش محفوف بالمخاطر، منشورات صندوق النقد الدولي، أبريل/نيسان 2019. ملخص شامل لآفاق الاقتصاد العالمي، صندوق النقد الدولي، أكتوبر/تشرين الأول 2019. تحديثات آفاق الاقتصاد العالمي: استقرار أولي وانتعاش بطيء؟، صندوق النقد الدولي، يناير/كانون الثاني 2020.

[2] إعلان قطع العلاقات مع دولة قطر، 5 يونيو 2017، وزارة الخارجية السعودية.

[3] دخل ميثاق الأمم المتحدة، الذي تم توقيعه في ختام مؤتمر الأمم المتحدة بشأن المنظمة الدولية عام 1945، حيز النفاذ في 24 أكتوبر 1945.

[4] د. جعفر عبد السلام، المنظمات الدولية، دراسة فقهية أصولية للنظرية العامة للمنظمة الدولية والأمم المتحدة والوكالات المتخصصة والمنظمات الإقليمية، دار النهضة العربية، الطبعة السادسة، ص 532.

Khalaf Bandar
Khalaf Bandar
Even with all of the advances our country has made to digitize our economy and infrastructure, the legal process of joining the Saudi economy is not easy.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

This site is registered on wpml.org as a development site. Switch to a production site key to remove this banner.