purchasing real estate

اقتصاديات الملكية الفكرية وحقوق الأداء

في اقتصاديات الملكية الفكرية كل فكرة قابلة للتقويم، بحيث تتزايد هذه القيمة بناء على القالب المبتكر في تجسيد هذه الفكرة وطريقة تداولها، وإن غاية كل مبدع هي الانتفاع من إبداعه ماليا ومعنوياً والحقوق المعنوية لصيقة بذات المبدع في المصنفات الفردية فلا يمكن التفريق بينهما بأي أداة نظامية ممكنة. لذلك يصح القول إن اقتصاديات الملكية الفكرية تقوم في جوهرها على الأصول غير الملموسة، وما دامت هذه الأصول قابلة للتقويم المالي والتداول والاستثمار فهي معرضة للزيادة والنقص حسب منهجية الاستثمار المتبعة.

لا شك أن حقوق الأداء العلني من أبرز التطبيقات الاستثمارية على اقتصاديات الملكية الفكرية، وتدور هذه الحقوق من حيث الوجود والعدم مع آلية نقل المصنف إلى الجمهور بأي وسيلة ممكنة. وأريد تسليط الضوء على المصنفات المسموعة والمرئية على وجه التحديد. وذلك لأن معظم الابداعات الفنية والأدبية المتداولة بين الناس لا تخرج عن قالب المسموع أو قالب الفيديوهات المرئية، ومشكلتي النظامية مع هذا النوع من التداول أنه أصبح وسيلة للتكسب وميزة تنافسية للمشروعات التجارية وصنّاع المحتوى على حد سواء دون أدنى اعتبار للمؤلف صاحب الحق الأصيل.

بل أن من المشروعات التجارية من اتخذت ميزة لها في عقد جلسات طربية أو حوارية تتناول مصنف أو مصنفات متعددة من خلال قراءة أو أداء المصنف على رواد المشروع برسوم وحجز مسبق في مواعيد دورية شكلت بذلك نشاط فرعياً إضافيا للمشروع الرئيس، دون أن يعود بالنفع على صاحب الحق الأصيل المبدع الذي ابتكر هذا المصنف من خلال عملية ذهنية مرهقة استمرت لفترات من الزمن حتى يُجسد هذا المصنف في هيئته النهائية، ليقوم مطرب شعبي  مقابل أجر مالي، أو يقوم صانع محتوى ببث هذا النتاج الإبداعي عبر حساباته في منصات التواصل الاجتماعي على سبيل التكسب المالي بطرق مختلفة. لربما أن يتذكر صاحب الحق الأصيل في تحية عن بعد كما يقول الجواهري رحمه الله “حييتك عن بعد فحيني” أو كلمة شكر على أفضل الأحوال، وفي هذا الصدد لا نحاول التقليل من مكانة المؤدي أو مركزه النظامي في عالم الملكية الفكرية، إنما نركز على مشروعية هذا المركز من حيث وجوده النظامي حيث قعد الفقهاء رحمهم الله قاعدة أساسية وهي ما بني على باطل فهو باطل، والأداء الذي لا يستند على مسوغ مشروع هو أداء غير مشروع ليس جديراً بالحماية المنصوص عليها في اتفاقية روما ونظام حقوق المؤلف السعودي ولائحته التنفيذية.

الجدير بالذكر أنه لا توجد أية فجوة تشريعية على الاطلاق بل على العكس تماماً إن نظام حقوق المؤلف الصادر بالمرسوم الملكي رقم (م/41) بتاريخ 02/07/1424هـ له موقف صريح في هذا الشأن، وتعد المادة الثالثة عشرة بمثابة حجر الزاوية لهذه العملية الاستثمارية، التي توجب إبرام عقود مع أصحاب الحقوق الأصيلة قبل مباشرة أي عمل يتصل باستغلال حقوقهم المالية، وسياق نص المادة الثالثة عشرة يقتضي أن المؤسسات المذكورة إنما وردت على سبيل المثال لا الحصر، وبالتالي فإن الخطاب موجه لكل من يرغب في مباشرة أي حق من الحقوق المالية للمؤلف بما في ذلك حق نقل مصنفه إلى اشخاص آخرين سواء كان هذا النقل على سبيل الربح أو التبرع.

كما تتزايد المسؤولية النظامية على أصحاب هذه المشاريع متى ما لحق بالمصنف ضرر كأن تم أداؤه بطريقة ساخرة، أو طريقة مبتذلة تحط من قيمته الفنية والمالية على نحو يستحق معه التعويض حتى وإن كان تقدير التعويض خاضع لسلطة قاضي الموضوع، ولا شك أن المسؤولية تطال صاحب المشروع التجاري المقام فيه هذا الحدث باعتباره مساهماً في انتهاك الحقوق المالية لمؤلف العمل محل الأداء العلني وهو الأمر الذي قد يترتب عليه إغلاق المنشأة.

بالرغم من قدم تشريعات الملكية الفكرية الدولية والوطنية إلا أنها وضعت نصب عينيها إمكانية انتشار المصنف وتداوله بين الناس على نطاق واسع، وتصدت لهذه الإشكالية من خلال اشترط المنظم وجود عقود مكتوبة قبل مباشرة أي نشاط يتصل بالحقوق المالية للمؤلف كضمانة أساسية لتحديد آلية الاستثمار، والفترة الزمنية له، والنطاق الجغرافي بناء على رغبة المتعاقدين لتوفير المرونة التي تقتضيها التطورات المضطردة في هذا المجال.  والغاية التشريعية الأخرى هي تحفيز المبدعين على الإنتاج والإثراء الثقافي المستمر إعمالا للمحور العاشر من الاستراتيجية الثقافية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية (2020-2030م) والموافق عليها بقرار مجلس الوزراء رقم 414 وتاريخ 25/07/1442هـ.

لا شك أن استثمارات الملكية الفكرية تلعب دوراً هاماً في تطوير البيئة الثقافية بشكل عام، فإن إنتاجنا الثقافي اليوم هو تراث الأجيال القادمة. علاوة على ذلك فإن كل إنتاج ثقافي هو أصل مالي وإن كان ليس له وجود مادي في الواقع، وهذا الأصل سينتقل بعد فترة زمنية إلى الملك العام وتصبح إدارته من قبل الهيئة السعودية للملكية الفكرية، والاهتمام بهذه الاستثمارات من شأنه المساهمة في تحقيق أهداف التحول الوطني من خلال تنويع مصادر الدخل.

Khalaf Bandar
Khalaf Bandar
Even with all of the advances our country has made to digitize our economy and infrastructure, the legal process of joining the Saudi economy is not easy.

Leave a comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

This site is registered on wpml.org as a development site. Switch to a production site key to remove this banner.